المادة 164: توفر الدولة جميع الخدمات الصحية مجاناً للجميع، ولكنها لا تمنع استئجار الأطباء ولا بيع الأدوية.
ان الطب من المصالح والمرافق التي لا يستغني عنها الناس فهي من الضروريات. وقد أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالتداوي: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ» أخرجه أحمد من طريق أسامة بن شريك. وفي رواية الطبراني في المعجم الكبير من طريق أسامة بن شريك كذلك، قَالَ : «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ فَسَأَلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». وعند الترمذي عن أسامة بن شريك، بلفظ: «قَالَتْ الأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ قَالَ دَوَاءً إِلا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ» قال الترمذي وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. والهرم بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالرَّاءِ هُوَ ضَعْفُ الْكِبَرِ الذي يتعقبه الموت والهلاك، أي أن الموت لا دواء له.
وهذا يدل على إباحة التداوي. وبالتداوي جلب منفعة ودفع مضرة فهو مصلحة، علاوة على أن العيادات والمستشفيات مرافق يرتفق بها المسلمون في الاستشفاء والتداوي. فصار الطب من حيث هو من المصالح والمرافق. والمصالح والمرافق يجب على الدولة أن تقوم بها لأنها مما يجب عليها رعايته عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر. وهذا من مسؤولية الرعاية؛ ولذلك وجب على الدولة توفيره للناس. ومن الأدلة على ذلك:
أخرج مسلم من طريق جابر قال: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا، فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ».
وأخرج الحاكم في المستدرك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: (مرضت في زمان عمر بن الخطاب مرضاً شديداً، فدعا لي عمر طبيباً فحماني حتى كنت أمص النواة من شدة الحمية).
وعليه وجب على الدولة أن توفر التداوي والاستشفاء (الطب) مجاناً؛ لأنه من النفقات الواجبة على بيت المال على وجه المصلحة والإرفاق دون بدل؛ ولذلك كان عليها أن توفر جميع الخدمات الصحية دون بدل. وهذا هو الدليل على أن الطب مما يجب أن توفره الدولة للناس بالمجان. وأما جواز أن يستأجر الطبيب وتدفع له أجرة فلأن المداواة مباحة، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: «يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا». ولأنها أي المداواة منفعة يمكن للمستأجر استيفاؤها فينطبق عليها تعريف الإجارة، ولم يرد نهي عنها، وفوق ذلك فقد «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ» أخرجه البخاري من طريق أنس رضي الله عنه والمراد بمواليه سادته لأنه كان مملوكاً لجماعة، كما تدل على ذلك رواية مسلم. وعن ابن عباس قال: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَةً، وَلَوْ كَانَ سُحْتاً لَمْ يُعْطِهِ» أخرجه أحمد بهذا اللفظ، وأخرج البخاري ومسلم نحوه بألفاظ مختلفة. وقد كانت الحجامة في ذلك الوقت من الأدوية التي يتطبب بها، فدل أخذ الأجرة عليها على جواز تأجير الطبيب. ومثل أجرة الطبيب بيع الأدوية لأنها شيء مباح يشمله عموم قوله:{ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ }[البقرة 275] ولم يرد نص بتحريمه.